mercredi 4 avril 2012

الثّقافة و السّياسة

الثقافة و ما أدراك ما الثقافة ..
تلك العبارة المنمّقة التي صمّوا بها آذاننا لعقود و عقود..
الثّقافة التي ما انفكّوا يمجّدوها و يشيدوا بدورها الفعّال في بناء المجتمع، ها نحن نجد "مثقّفيها" يستغيثون من "تهميش" لدورهم الذين يعتبرونه دورا فعّالا في بناء الدّولة (و هو كذلك نظريّا)..
تراهم يحتجّون و يحاجّونك و يعتبرون أن لهم في الثّورة نصيب، تلك الكعكة التي أغرت الجميع فسال لها لعابهم..

نراهم اليوم (المثقّفون) ينظرون إلينا و كعادتهم من برج عاجيّ يريدون بشتّى الطّرق تقديم مادّتهم "الثّقافية" الزّخمة، ممّا أدّى بهم الأمر إلى احتجاج على مظاهرات تقام و تدخّل في شأن سياسيّ ليس من شأنهم ..
يقصون أنفسهم و يتنصّلون من مسؤوليّة أرى والله أنّهم الأكثر قدرة على القيام بها، ألا وهي مسؤوليّة "التوعية" التي تنقصنا شعبا بأكمله. توعية في كل المجالات : المعاملات، الخطاب، الحوار، تقبّل الآخر، النّقاش مع الآخر، إلخ ...

شخصيا و حتى لا يساء فهمي ليست لي أي مشاكل مع الثقافة و لا مع الفن الهادف و الثقافة التي هي فعلا ثقافة تسمو بالجانب الحسي للإنسان..
لكن كل غضبي ينصبّ على أولئك الذين أثّرت فيهم تحزّباتهم فاختلطت الثّقافة بالسّياسة و بات واجبا الفصل بينهما : الفصل بين السّياسة و الثّقافة.

و قد شدّ انتباهي الاسبوع الماضي حدث تمثّل في "فوضى" اعترت مهرجان "24 ساعة مسرح" بالكاف، ذلك اليوم الذي كان من المفروض أن يكون احتفاليّا تحوّل إلى "فوضى" على حد تعبير وليد زرّاع..

فأن تقيم احتفالا و تعرض بضاعة "ثقافيّة" في إحدى المناطق التي تنتقص إلى أبسط مرافق العيش العادي حتى لا أقول العيش الكريم، هو ممّا لا شكّ فيه ضرب من الجنون، خاصّة في فترة حسّاسة كالتي نعيشها..
هي مناطق تنتظر تدخّلات و قرارات عاجلة من الحكومة فتجد نفسها وسط مهرجان و احتفالات و مسرحيات "لا تسمن و لا تغني من جوع" ..

مناطق تعاني الويلات ترى في الثّقافة ضحكا على ذقون العباد، ثقافة طالما امتازت بمسرحيات فارغة محتوى و معنى و ممثّلين، ثقافة "الضّحك" دون الاعتبار من الضّحك..

ما يجب أن يعيه الجميع الآن أنّ الزّمن ماعاد نفس الزّمن، و لا المكان نفس المكان، و لا هم نفس الأشخاص و لا نفس الأفكار و لا نفس التونسيّ..
كما تغيّر الجميع، على الثّقافة أيضا أن تتغيّر و أن تواكب عصرا جديدا اجتاح العقول قبل الأمكنة و الأزمنة، لتصبح ثقافة من نوع آخر : ثقافة التّوعية، فتلعب دور البناء مع الحكومة و مع كامل مكوّنات المجتمع..
الثقافة الي من واجبها أن تكون جزءا في بناء مجتمع ذو ملامح جديدة..
ثقافة محايدة لا ثقافة محزّبة ذات خلفيات سياسيّة، ثقافة "تبادل الفزّاعات" : أنت سلفي، أنت خوانجي، أنت إرهابي، أنت علماني، أنت ماسوني، و ماخفي كان أعظم..
الثقافة التي تنأى بإنتاجاتها و مواقفها عن كل ماهو صراعات جانبيّة فتقف بجانب الشّعب و توعيه بطرقها البسيطة و عروضها المجانية أو على الأقل بمعاليم رمزية..

"التونسي زوّالي و عيّاش و قلبو طيّب" لا يريد أناسا تعيش في برج عاجي ينظر إليها من الأسفل، و قد عوّدنا "المثقّفون" دائما بهذه العلاقة الفوقيّة التي يتعاملون بها مع الشّعب..
التونسي يريد العيش الكريم و التمتّع بأبسط مرافق العيش، و دورك يا "ثقافي" أن تمارس الثقافة من واقعه هو لا واقعك أنت ..
واجبك أن تتحدّث باسمه هو كمواطن تونسي حتّى يسمعك و لا يكون سببا لإفشال مهرجاناتك و إحداث "الفوضى"، يا وليد زرّاع، فما تسمّيه أنت "فوضى" يعتبره هو طريقة للفت الإنتباه فقط لا غير..

أيّها الثقافي و الفنان و المبدع و المسرحي ابتعد عن الصراعات السياسية و ركز اهتمامك على مشاغل الشعب، لا تهمّشه حتّى لا يهمّشك و يعتبرك شيئا مفروغا منه :"نحب ناكل مانحبش ثقافة"..
فكلّ ما قيل و ما سيـــُـــقال أنتم سببه يا مثقّفين، انتم من همّشتم الثّقافة الحقيقيّة و سلبتموها روحها و أقصيتموها عن الواقع في حين أنّها هي الأقرب الي قلوب التونسيّين، و بإمكانها أن تساهم و بقوّة في توعية الناس في العديد من المجالات بطريقة سهلة و دون أن يتم تفسيرها على أنّها توصيات أو تدخّلات سياسيّة من أحد ..

ساهموا في بناء تونس لبنة لبنة فدوركم لا يقل أهمية على دور الحكومة و "المعارضة الحقيقية" (إن وجدت)..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire