lundi 12 mars 2012

فتنة مؤقّتة

حرب الفتنة تقرع طبولها..

نعم هي الفتنة، ليس تشاؤما أو إحباطا للمواطنين أو استنقاصا من شأن الحكومة و دورها بل هي استنتاجات من واقع متوتّر نعيشه..
لا يخفى على الجميع ما نراه يوميّا من اتّهامات متبادلة و ما نعيشه من تعنيف غريب عن واقعنا.. 

الفتنة، ذلك السلاح الفتـّــاك الذي سرعان ما يشتّت شمل الأحباب، شيطان أخرس يزور العائلات فيفكـّــكها و الأصدقاء فيفرّقها، و هاهي تحلّ بوطن فتوشك على "دماره"..

قد تكون بعض عباراتي مخيفة نوعا ما و خطيرة لما تشمله من تشاؤم كبير لكن هي الحقيقة التي وجب علينا الإطّلاع عليها حتّى نقف صفّا واحدا أمام هذه النّار التي كبــُرت شيئا فشيئا و تكاد أن تطال تونسنا الخضراء..

أوقدت نار الفتنة منذ بدايات الثورة عن طريق إشعال النعرات الجهوية فاشتعلت النار بين قفصة و توزر لكن و بعد صراع طويل نجح رجال هاتين الولايتين الأحرار في إخمادها و إصلاح ما خلّفته من أضرار مادّية و معنويّة.. 
هي أضرار طالت النفوس قبل الأجساد، لحظات رعب عاشتها الولايتين و مشاهد فضيعة تداولتها الصفحات الفايسبوكيّة، زاد في إلهاب فتيلها الإعلام التونسيّ اللاوطني..

سبقها مقتل كاهن بولندي في تونس : الأب مارك ريبينسكي و ذلك بتاريخ 18 فيفري 2011، حيث تم العثور عليه مذبوحا، فشاع الخبر و أصبح حديث الناس في إيحاء إلى أنّ الإسلاميين التونسيين هم من ذبحوه بدافع التعصّب الديني، لكن الأبحاث و الحمد لله أثبتت عكس ذلك فبرأت الإسلاميين من هذه التهمة البشعة..

إلى غير ذلك من فتن طالت كل المجالات و كل الفئات بدافع تعكير صفو التونسيين و إدخال البلاد في متاهات يصعب الخروج منها، إلا أنّ التونسيّ أثبت جدارته باستحقاق للجنسيّة التونسيّة فتجاوز كل العقبات و أبرز للجميع وعيه بحاضر متأثــّــر بماض يــُــحْــتضر و مستقبل مشرق.. حاضر يعيش تذبذبا بين من يتشبّث بحبال الماضي الواهية و بأمل المستقبل القوي..

ثمّ تشكــّــلت الحكومة و زادت الخطط في إشعال نار الفتنة من جديد، فتجاوزت حدود المعقول و "تطوّرت" الأساليب المتدنّية في زيادة لهيبها.. 
و ها نحن نشهد هذه الأيّام نوعا جديدا من الفتن : فتن وطنية دينية، فرّقت بين الوطنيين و بين المسلمين !! أو ربّما بين الوطنيين غير المسلمين و بين المسلمين غير الوطنيين !! لا بل بين المسلمين الوطنيين و بين الوطنيين المسلمين !!؟؟

كانت بداياتها في كلية منوبة، إشكال بسيط حول منقّبة أرادت الدّخول لتمارس حقّها في التّعليم فاعترض عميد الكلّية، و من هنا بدأت الحكاية، إلى أن تطوّر الأمر فأصبح تعدّ على رمز من رموز سيادة الوطن : علم تونس المفدّى و أخذت بعد ذلك منحى آخر طالت فيه مقدّساتنا فهاجموا قرآننا الكريم و تطاولوا عليه بعبارات مستفزّة.. 
ثم خرج أبطال الفتنة في مظاهرة رفعوا فيها آيات من القرآن الكريم محرّفة و لافتات تعلن تحدّيا صارخا لأحاديث النبيّ عليه أفضل الصّلاة و السّلام..


أبطال الفتنة الأحرار نجحوا في تمثيل أدوارهم فبرعوا في ارتداء أثواب و نزع أخرى..
لعبوا دور الملتزمين، فحين زارنا الشّيخ وجدي غنيم رأيناهم ينادون بإحياء أمجاد الزيتونة و باتّباع مذهبنا المالكي و عدم الحياد عنه، رأيناهم في مظاهرات مندّدة بزيارة شيوخ من المشرق نصرة لشيوخ الزيتونة.. 
اضطرّوا إلى ارتداء لباس الورع و التقوى لخدمة مصالحهم المتمثّلة أساسا في إسكات صوت الحق التي صدحت بها مساجدنا و مجامع علمنا التي نادت بالدعوة و أدانت أفعال كارهي الإسلام.. 
اضطرّوا إلى تمثيل دور الغيورين على دينهم، غيرة على "دينهم"..

و ها نحن نراهم اليوم في لباس الوطنيين و  ألوان حمراء "تشعّ من أعينهم" و بيضاء..
هاهم اليوم يندّدون بعلم رفع من مكانه و وضع بجانب راية "العقاب"..

"العلم المفدّى دنّسوه !!!"
 هي جملتهم التي حفظوها لهذا الأسبوع..
أعادوها كثيرا و كثيرا، و أعانهم الإعلام التونسيّ اللاوطنيّ على ترسيخها في العقول، تداولتها صفحاتهم و تداولها إعلامهم بكل أنواعه من مكتوبة إلى مسموعة وصولا إلى المرئيّة.. تجنّد الجميع لنشرها كقضيّة رأي عام، و انتقلت العدوى إلى المجلس التأسيسي فرأينا الأعلام قد رُفعت عند البعض منهم..

هي حرب نفسيّة أشعلوا فتيلها..

بات المسلمون يتبادلون الإتّهامات الوطنية الدينيّة، فذاك يؤيّد رفع راية التوحيد، و آخر يندّد بـ "تنكيس" علمنا المفدّى، و أخرون يشتمون الرايتين بتعصّب ديني أو وطني..

هو صراع من نوع جديد، لم نشهد مثله من قبل..
صراع طعن في هويّتنا و عقيدتنا..
صراع قسم التونسيّين إلى فــِرَقٍ بين مؤيّد و رافض و مبرّر و مدافع و مهاجم و متعقّل..

صراع استغّله مثيرو الفتن فلبسوا على إثره ذلك الرّداء الذي إليه تطرّقنا، رداء أحمر و أبيض بلون علمنا الطّاهر فدنّسوه.. نعم دنّسوه بوطنيّتهم المكذوبة التي باعوها سابقا مقابل حفنة من الملاليم، و باعوا فيها علمنا لأعداء الوطن الحبيب..
باعوا تونس و جاؤوا اليوم يزايدون علينا و يطعنوننا في وطنيّتنا.. 
رأيناهم يصيحون متأثٍّرين كذبا بحركة استفزّتهم نوعا ما، لكنّها ردّة فعل مفتعلة لا تمتّ للحقيقة بصلة.. 
تماما كردّه فعلهم المفعمة بالحس الديني و بدفاعهم عن الزيتونيين، حيث رسبوا في أوّل اختبار اجتازوه فبالتوازي مع حادثة العلم تم استفزاز الشعب المسلم بتحريف قرآنه إلاّ أنّهم تجاهلوا الأمر (إعلاما و أشخاصا) و كأنّ شيئا لم يحدث.. 
لم يندّدوا و لو بكلمة حول ما حصل في كلية منوبة من استفزازات صريحة : إجمعوا قرآنكم و ارحلوا.. هذه الجملة التي زلزلت الأرض من تحتهم هم و ما زادتنا نحن إلا ثباتا.. 
نعم لقد أجبرونا على الحديث بضمائر مختلفة : نحن و أنتم و هم ..
فرقونا و أشبعونا تفرقة..

ثمّ ختموا أعمالهم بعمليّة قتل ذهب ضحيّتها أحد الدّعاة، جريمة بشعة اقترفها أحد المجرمين في حقّ شيخ و هو متّجه لصلاة الصّبح..
جريمة ارتعدت لها فرائصنا لكنّها كالعادة تمّ تجاهلها من قبل دعاة الوطنية و المدافعين المزوّرين عن الدّين، تجاهلها الإعلام و توغّل في التّجاهل بطريقة استفزازيّة علّه يظفر بمادّة إعلاميّة لأيّام قادمة، مادّة إعلاميّة على قياسهم.. 

كانوا يظنّون أنّ تجاهلهم سيعمّق الهــوّة بيننا كمسلمين لكنّهم أخطؤوا الهدف فلن تفرّقنا فتنهم و لن تفرّقنا مشاكلا افتعلوها ولن تفرّقنا جرائما ارتكبوها في حقّنا..
قدّمنا و لا زلنا نقدّم ضحايا "إرهابهم"،  و لن يفرّقونا مهما فعلوا..
سنظلّ ذلك الشّعب المسلم الذي تجمعه "لا إله إلاّ الله سيّدنا محمّدا رسول الله" و لن تفرّقنا تفاهاتكم يا كارهي الإسلام و مدّعـــــي الوطنيّة..






 



















2 commentaires: